تحقق المفتشية العامة بوزارة العدل والحريات في شكاية إدارية وصلت من محام بهيأة الناظور، قدم فيها أطوار واقعة «غريبة» كان شاهدا عليها أثناء حضوره جلسة استنطاق تفصيلي بمكتب قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية، الذي طلب من مشتك ومشتكى به وشهود القسم على القرآن وقول الحقيقة، قبل الإدلاء بأقوالهما.
وقال المحامي إنه فوجئ بقاضي التحقيق، أثناء جلسة عقدت بداية مارس الماضي، يسحب نسختين من القرآن الكريم ويسلم كل واحدة منهما إلى مشتك ومشتكى به في قضية نصب واحتيال في مبلغ مالي قدره 25 مليون درهم، وطلب منهما القسم وقول الحقيقة، قبل الإدلاء بأقوالهما والإجابة على أسئلته.
ونبه المحامي قاضي التحقيق إلى الخرق القانوني باستعمال مصحف أثناء التحقيق التفصيلي، وعدم وجود مقتضى قانوني، في جميع المساطر القضائية المغربية، يستوجب هذا الإجراء، لكن القاضي تمسك بتوجيه اليمين للطرفين اللذين أقسما بقول الحقيقة وفتحا المصحف وغرسا وجهيهما فيه، وبالتالي كان على القاضي تصديق الطرفين من منظور ديني صرف (المسلم لا يكذب في حضرة القرآن)، وهو أمر لا يجوز.
وقال المحامي إن هذه الوقائع المتعلقة باليمين في المصحف محررة في محضر جلسة التحقيق التفصيلي وطلب من المفتشية العامة الاطلاع عليها، مؤكدا أن من شأن ذلك التأثير على قرارات قاضي التحقيق، ما تم بالفعل في مجريات القضية برمتها التي كادت تنتهي بحبس المشتكي وشهوده الثلاثة، وتبرئة المتهم من المنسوب إليه، لولا قرار الغرفة الجنحية التي رفعت قرار إيداعهم السجن.
وأكد المحامي أن قاضي التحقيق انتبه إلى هذا الخرق القانوني بعد أيام من انجاز المحضر، إذ قام، حسب الشكاية المودعة في مكتب وزير العدل والحريات، بالاحتفاظ بملف التحقيق برمته، ولم يحله على وكيل الملك الذي سيحيله على الوكيل العام للملك للنظر في استئناف قرار ايداع المشتكي والشهود السجن، إلا بعد مضي ثلاثة أسابيع من التصريح بالاستئناف، علما أن المادة 225 تلزمه شخصيا بإحالة الملف خلال 24 ساعة.
وبعد مرور 21 يوما، قال المحامي إن قاضي التحقيق أحال ملف التحقيق ناقصا من الجزء المتعلق بالقسم في المصحف، ما اضطر الدفاع إلى تقديم ملتمس إلى الغرفة الجنحية يرمي إلى استكمال جميع أوراق الملف، ما استجابت له.
وطالب المحامي من المفتشية العامة، في شكاية أودعت لدى مكتب الضبط المركزي للوزارة قبل عشرة أيام، فتح تحقيق في مجمل الخروقات القانونية والمسطرية الجسيمة التي شابت ملفا يتعلق بالنصب والاحتيال على مواطن من الناظور في 25 مليونا، دفعة أولى لمبلغ 40 مليونا، نظير تمكينه وأبنائه من أوراق الإقامة بإسبانيا.
وحسب الوقائع، فإن العملية تقودها محامية إسبانية بتنسيق مع أشخاص بالناظور يوهمون ضحاياهم بالتوسط لهم للحصول على أوراق الإقامة ويتسلمون مبالغ منهم، قبل أن يختفوا.
وقال المحامي إن ثلاثة قضاة (قاضي تحقيق، ونائبين لوكيل الملك) ارتكبوا خروقات قانونية في الملف منذ التوصل بمحاضره من الشرطة القضائية من أجل تبرئة المتهم الرئيسي واعتقال ومحاكمة المشتكي والشهود الذين حضروا الاتفاق وتسليم مبلغ 25 مليون درهم.
وقال المحامي إن قاضي التحقيق ارتكب أخطاء قانونية نتج عنها إيداع مواطنين السجن تعسفا، بمجرد استنتاجه أن الشهود أدلوا بشهادة زور في الملف بإيعاز من المشتكي، علما أن الجهة الرسمية المخول لها ذلك، بحكم القانون، إحالة المتهمين بشهادة زور نهائية على النيابة العامة، ووضعهم تحت الحراسة والمناداة عليهم من جديد، وحثهم على قول الحقيقة وتنبيههم إلى أن تصريحاتهم ستعتبر نهائية (المادة 425 من قانون المسطرة الجنائية).
ولم ينتظر قاضي التحقيق قرار الغرفة الجنحية بشأن استئناف قرار الإيداع في السجن، بل أصدر قرارا نهائيا بعدم متابعة المشتكى به ومتابعة المشتكين في حالة اعتقال، إذ قضوا أربعة أسابيع، وكانوا سيحالون على الجلسة على هذا الحال، قبل صدور قرار الغرفة الجنحية بإيقاف قرار الإيداع.
وقال المحامي إن نائبي وكيل الملك، اللذين توصلا بالملف، جاريا قاضي التحقيق دون أدنى تمحيص وأحالا المتهمين على الشرطة القضائية للاستماع إليهما في تهمة شهادة الزور، لكن المفاجأة أن المتهمين تشبثوا بالأقوال السابقة نفسها، وأكدوا معاينتهم تسليم المبلغ المالي من قبل المشتكي إلى المتهم لإنجاز أوراق الإقامة في اسبانيا، ورغم ذلك، أحيلوا على السجن في انتظار محاكمتهم، قبل صدور قرار المستأنف لدى الغرفة الجنحية.